/ الفَائِدَةُ : ( 48) /

16/03/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / مدارس البشريَّة المعرفية مدارس جموديَّة وقشريَّة وحبوسيَّة / / مدرسة الوحي صَمَّام أَمَان مترامي في عدم التَّناهي وعدم المحدوديَّة / إِنَّ مدرسة الرَّأي، ومدرسة الفلسفة، ومدرسة العرفان وغيرها من المدارس البشريَّة جموديَّة وقشريَّة وحبوسيَّة، وصاحبة نتاج بشريّ ضيّق، فمِنْ جهةٍ هو: نتاج بشريّ في عُرْضَةِ الخطأ والضَّلال والزَّيغ والاِنحراف، ومن جهةٍ أُخرىٰ: نتاج محدود ومتناهي حبوسيّ قشريّ حشويّ. بخلاف نتاج مدرسة الوحي الإِلٰهيّ ـ وهي: مدرسة أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) ـ؛ فإِنَّه من جهةٍ هو: صَمَّام أَمَان، ومن جهةٍ أُخرىٰ: مترامي في عدم التَّناهي وعدم المحدوديَّة؛ وحينئذٍ يكون الاِلتصاق به نجاة من الضلال والزَّيغ والاِنحراف، ونجاة من ضيق وحبس القدرة البشريَّة والضِّيق والمحدوديَّة. وعليه: تكون العبوديَّة بهذا المعنىٰ: تحرُّر وحرِّيَّة وانطلاق في رحاب غير المحدود وغير المتناهي. إِذَنْ: واقع ما يُقال من حرِّيَّة الرَّأي وما شاكله في المدارس البشريَّة هو: حبس وسجن؛ لاِعْتِمَادها علىٰ القدرة البشريَّة، وهي ضيِّقة ومحدودة ومتناهية بضيق ومحدوديَّة وتناهي البشر وقواه، بخلاف السيح والسياحة في بحور علوم الوحي غير المحدودة وغير المتناهية؛ فإِنَّها حرِّيَّة وتحرُّر من قيود المحدود والتَّناهي إِلى رحاب بحور الأَنوار الخِضَم الزَّاخِرَة غير المحدودة وغير المتناهية. وإِلى هذا أَشارت بيانات الوحي، منها: 1ـ بيان قوله جلَّ قوله: [قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا](1 ). 2ـ بيان قوله جلَّ قدسه: [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ](2 ). 3ـ بيان قوله تقدَّس ذكره: [مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ](3 ). ودلالتها واضحة؛ فإِنَّ أَلفاظ بيانات الوحي الإِلٰهيّ الشَّريف وعَالَم التَّنزيل مهما بلغت محدودة ومتناهية، لكنَّ الغور فيها وفي قوالب معانيها وحقائقها وعَالَم التَّأويل بحور نور طَمْطَامة غير محدودة وغير متناهية أَزلاً وأَبداً. وما ذُكر من عدد في بيان قوله جلَّ قدسه ـ [سَبْعَةُ أَبْحُرٍ] ـ ليس المراد منه حقيقة العدد، بل لبيان مُطلق الكثرة؛ وأَنَّه مهما بلغ مدد الأَقلام فكلمات الله ومعانيها وحقائقها لا تنفد أَبداً عبر طُرّ العوالم، كحال بيان قوله تقدَّست أَسماؤه: [إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ](4)، فَذكْرُ السَّبعين كناية عن مُطلق الكثرة من دون أَنْ تكون هناك خصوصيَّة للعدد، ومِنْ ثَمَّ عُلِّل: بقوله تعالىٰ: [ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ] وهو لا يختلف بالاِستغفار وعدمه، وبالِاستغفار قَلَّ أَم كثر. وقد ورد في تفسير: [كَلِمَاتُ اللَّهِ] أَنَّها حقائق أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) الصَّاعدة وتتبعها طبقات حقائقهم المتوسِّطة والنَّازلة، فتكون علوم مدرسة أَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم) ومعارفها وشؤونها وفضائلها وكمالاتها ومقاماتها غير محدودة وغير متناهية أَبد الآباد ودهر الدُّهور عبر جملة عوالم الخلقة غير المتناهية. فانظر: بيانات الوحي، منها: بيان تفسير الإِمام الهادي (صلوات اللّٰـه عليه): «... وَأَمَّا قوله: [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ] فهو كذلك؛ لو أَنَّ أَشجار الدُّنيا أَقلام والبحر يمدَّه سبعة أَبحر وانفجرت الأَرض عيوناً لنفدت قبل أَنْ تنفد كلمات الله ... ونحن كلمات الله الَّتي لا تنفد ولا تُدرَك فضائلنا ...»(5). 4ـ بيان الإِمام الرِّضا عليه السلام، عن عَلِيّ بن أَبي حمزة، قال: «لا تعجب، فما خفي عليكَ من أَمر الإِمام أَعجب وأَكثر، وما هذا من الإِمام في علمه إِلَّا كطير أَخذ بمنقاره من البحر قطرة من ماء، أَفترىٰ الَّذي أَخذ بمنقاره نقص من البحر شيئاً؟ قال: فإِنَّ الإِمام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده، وعجائبه أَكثر من ذلك، والطير حين أَخذ من البحر قطرة بمنقاره لم ينقص من البحر شيئاً، كذلك العَالِم لا ينقصه علمه شيئاً (6)، ولا تنفد عجائبه»(7). ودلالته واضحة. وهذه الحقيقة(8) ـ كسائر حقائق المعارف والعقائد الإِلٰهيَّة ـ ستتجلَّىٰ في عَالَم البرزخ، وعَالَم الرَّجعة، وعَالمَ القيامة، وعَالَم الآخرة الأَبديَّة وبعدها. فالتفت، واغتنم تربت يداك. وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الكهف: 109. (2) لقمان: 27. (3) النحل: 96. (4) التوبة: 80. (5) بحار الأَنوار، 10: 386ـ 390/ح1. تحف العقول: 476ـ 481. (6) في نسخة: (شيء). (7) بحار الأَنوار، 26: 190ـ 191/ح2. قرب الإِسناد: 144. (8) إِشارة إِلى ما تقدَّم من أَنَّ حرِّيَّة الرأي المدَّعاة في مدارس البشر هي حبس وسجن، بخلاف السّباحة في بحور الوحي فإِنَّها حريَّة وتحرّر في غير المتناهي